الجمعة، 16 ديسمبر 2011

نقطة تحول




تناولتُ القلم

كثيرة هي الأفكار بمخيلتي, من أين سأبدأ؟
سهوت قليلا.. سقط القلم من يدي فرُسمت نقطة على الورقة ..

كانت سوداء..لكنها جميلة. و لو غيرت القلم لكانت زرقاء, حمراء, خضراء.. أو ربما بيضاء.
تأملت كامل الورقة, بالكاد تُرى.. وَرَّقْتُ الكراس, فضاعت النقطة.
كذلك هي لحظات الحياة, فيها المعتم ,و فيها الملون حسب الزاوية التي نظرنا منها.
 كذلك هي لحظات الحياة, كالنقطة: صغيرة في معناها ,بسيطة في محتواها.. لكنها يمكن أن تكون بداية لمسارات أو عناصر أساسية لجسور و ممرات.

رُسِمت على ورقتي البيضاء نقطة, و رُسِمت في حياتي عديد النقاط كانت نقاط تحول.. ربما لم أنتبه لمعظمها, لكني على الأقل أذكر أجملها..
أولها؟
كنت صغيرة حينها, تعلمت البسملة و كنت أحب و أفرح حين أتذكرها لوحدي: بسم الله حين آكل, بسم الله حين أشرب, بسم الله حين أدخل, بسم الله حين أخرجبسم الله .. بسم الله أحيا, و بسم الله تنعم حياتي..
لكني كنت أنساها كثيرا, و ببراءة طفولية كنت أجلس في زاوية لوحدي أردد البسملة عشرات المرات مكونة بذلك ما سميته "رصيدا احتياطيا", و حين أتعب أمد يدي للدعاء راجية من الله عز و جل أن كلما نسيتها في أحد أعمالي, أن يأخذ من رصيدي و يضعها في مكانها( أو بالأحرى زمانها) المرجو. واصلت على ذاك الحال حتى تعودت على تذكرها, لأني فعلا أدركت معناها و سر بركة الأعمال التي تليها..
*****
يقول الله عز وجل:  
"وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌّ" سورة هود 41

*****
أضحك الآن من سذاجة تفكيري, لكنها طريقة مميزة جعلتني أذكر الله في كل وقت و حين. لم أكن أُدرك الأشياء كما وجب إدراكها, و لم أكن أفقه فعلا معنى الخشوع و التدبر عند الذكر. ما كان يستحوذ على تفكيري حينها هو أن أقول أشياء تسر الله فهو يراني.
"ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه" علي بن أبي طالب
  رصيد احتياطي من البسملة, بعده كلفت نفسي برصيد يومي من الذكر و التسبيح, فرصيد من بعض الواجبات و الأعمال اليومية...كم هي جميلة تلك البراءة الطفولية و عبادة الله دون وجود أشياء تلهينا..

✿✿✿✿✿
رن الهاتف
- السلام عليكم, كيف الحال أخية
- الحمد لله, أسأل عنك فيم انشغالك لم تجيبي البارحة على رسائلنا اليومية؟؟
- أعتذر حبيبتينمت مبكرا البارحة فقد انشغلت طوال اليوم بتنظيف المنزل و غسل الستائر ثم فرش الأرضية
- و كأني بك تقولينها و أنت مبتهجة؟؟ كم أكره تلك الأشغال المنزلية
- ...
  
منذ صغري كنت أحب مساعدة أمي في أعمالها اليومية, لكني لم أتصور يوما أن لتلك الأعمال سر خاص.. 
سر اكتشفته من خلال آية قرآنية..
*****
يقول الله سبحانه و تعالى:
"تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" الإسراء 44
*****

استوقفتني هذه الأية منذ أول وهلة.. "و إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم"
 بتفكير فتاة بسيطة أدركت وقتها أن لن أفقه تسبيح الأشياء من حولي. "وإن من شيء" ؟؟؟ كتبي, كراساتي, فراشي, ملابسي, الأشجار في حديقتنا , الزرابي و المفروشات, الأرضية و أيضا تلك الزوايا المنسية... ذاك كل ما استطاع عقلي الصغير استيعابه ..
 بسذاجة تفكير فتاة صغيرة صرت أحترم كل الأشياء من حولي, كنت أنظر لأغراضي مطولا و أدرك أنها تسبح بحمد ربها لكني في كل الأحوال لن أفقه تسبيحها.. أصبحت أحب العناية بكل الأغراض في المنزل, أحب ترتيبها, أحب تنظيفها .. صرت أحب الأشغال المنزلية التي تشتكي منها بعض النساء.. كيف لا و هي تسبح لربها بكرة و عشيا؟؟ صرت أحتسب العناية بتلك الأشياء من حولي فالله طيب و لا يقبل إلا طيبا (رواه مسلم)

و إن كنت فهمت الحديث في غير سياقه حينها, إلا أن تلك الأية كان لها أثر كبير في حياتي, بفضل ربي و لله الحمد..


ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال‏:‏ كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل‏‏ وفي حديث أبي ذر‏:‏ أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ في يده حصيات‏,‏ فسمع لهن تسبيح كطنين النحل‏‏ وكذا في يد أبي بكر وعمر وعثمان,‏ رضي الله عنهم, وهو حديث مشهور في المسانيد‏ وقال الإمام أحمد‏...‏ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه مر علي قوم وهم وقوف علي دواب لهم ورواحل‏,‏ فقال لهم‏‏ اركبوها سالمة‏,‏ ودعوها سالمة‏,‏ ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق‏,‏ فرب مركوبة خير من راكبها‏,‏ وأكثر ذكرا لله تعالى )

"وإنه لمشهد كوني فريد‏,‏ حين يتصور القلب كل حصاة وكل حجر‏,‏ كل حبة وكل ورقة‏,‏ كل زهرة وكل ثمرة‏,‏ وكل نبتة وكل شجرة‏,‏ كل حشرة وكل زاحفة‏,‏ كل حيوان وكل إنسان‏,‏ كل دابة علي الأرض وكل سابحة في الماء أو الهواء‏..‏ ومعها سكان السماء‏...‏ كلها تسبح الله وتتوجه إليه في علاه" من تفسير الظلال لسيد قطب

✿✿✿✿✿

تأملت الورقة..راقني أثر النقطة التي فاض حبرها, كما راقتني تلك الأشياء التي يحسبها البعض بسيطة أو مجرد  ترهات, لكنها بالنسبة لي كانت مهمة و غيرت بالفعل مجرى الحياة.

*****
قال تبارك وتعالى :
"إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ* وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَر" القمر 49- 50
*****