الجمعة، 28 أكتوبر 2011

أنتَ قدوة



تأخر القطار, اكتظت المحطة خاصة مع نزول أول قطرات المطر..

دنت من صديقتها و همست في أذنها:" أشعر بالخوف"

فأجابتها بكل ثقة:" لا تخافي مادمت حذوك, لا تخافي لن يجرأ أحد على إيذائك.. أنا معك سأحميك.."
الأولى كانت منتقبة, و الثانية لم تكن ترتدي الحجاب أصلا.

كنت واقفة على مقربة منهما, كنت أيضا قلقة فقد تأخر الوقت و مازالت رحلتي طويلة. كان صوت همساتهما يصلني و كأن إحداهما كانت تتعمد أن تسمعني ما يدور بينهما. التفت, ألقيتا التحية بابتسام, و ما أجمل ذلك السلام بين الأخوات دون كلام..

الجميل في الموقف أن كلاهما كانت تحتمي بالأخرى. أعجبني ما سمعت و راقني ما رأيت: مختلفتان في الظاهر, يُخيل للناظر أنهما متناقضتان, لكن من منا يستطيع قراءة ما يخفيه الباطن من أسرار؟؟

أعجبني حزم الثانية و هي تقول "لا تخافي ..سأحميك" أعجبني موقفها و هي تشجع صديقتها على الثبات. لم أسعى لسماع بقية الحوار فما سمعته في البداية أثلج صدري و أشعرني بالطمأنينة.

 بالكاد لمحت نظرات الفتاة الأولى فبدا لي و كأن عينيها مبتسمتان.. أما صديقتها الواقفة قبالتي  فقد كانت نظرتها مليئة بالتحدي.

 شد انتباهي ذلك التناسق بينهما,  أدهشني ذلك التكامل بين التشابه و الاختلاف...
تساءلت في نفسي إن كانت الفتاة الأولى قد قامت بواجب الدعوة و النصيحة تجاه صديقتها, و الجواب كان واضحا فالقدوة هي الدعوة.

*****
يقول الله عز وجل: 
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) -النحل 125-
 
*****
✿✿✿✿✿
دغدغت تلك الحادثة ذاكرتي, لازلت أذكر إحدى الأخوات حين كانت تُمنع من الدخول إلى المبيت الجامعي فتلتف صديقاتها حولها. كُنَّ يُكَوِّنَّ شِبهَ حلقة لتقف وسطها و يَدْخُلنَ كمجموعة على نفس الخطى كي لا ينتبه الحارس أن هناك فتاة محجبة  تختبئ بينهن, حتى أنها كانت تحمد الله  لأنها لم تكن طويلة القامة فينكشف أمرها..

في تلك الفترة كانت جاراتها في الغرفة من مختلف الجهات لكنَّهُنَّ في أصعب الظروف متحدات. كانت الأخت ممنوعة من الدخول حتى إلى محل للمواد الغذائية لشراء بعض الحاجيات, لكنها لم تكن تكترث لذلك الإقصاء فقد كانت جاراتها تساعدنها في أبسط الأمور و تشجعنها على الثبات. في الواقع كن يدركن الحق و مقتنعات و لو لم يَكُنَّ وقتها ملتزمات...

كُنَّ يتحدثن في الأمور الدينية و يتنافسن في الدراسة كما في الأذكار اليومية, يصلين أحيانا جماعة, يتبادلن الكتب الدعوية..إلى أن وصلن إلى حملة جماعية لإيقاظ الكل لقيام الليل و صلاة الفجر يوميا..

أذكر أنها كانت  قليلة الكلام, و أحسب أن صمتها فيه كثير من المعاني- و لا أزكي على الله أحدا-. لم نسمعها كثيرا تشتكي بلواها رغم أن الكثير كبلوا خطاها. كانت تدعو للحارس بالهداية و أن ينشغل عند دخولها حتى لا يراها..
*****
مر أبو الدرداء (رضي الله عنه) على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم! قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي.

و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :إذا رأيتم أخاكم قارفا ذنبا فلا تكونوا أعوانا للشيطان عليه تقولوا: اللهم اخزه! اللهم العنه! ولكن سلوا الله العافية، فإنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كنا لا نقول في أحد شيئا حتى نعلم علام يموت فإن ختم له بخير علمنا أنه قد أصاب خيرا وإن ختم له بشر خفنا عليه.
*****
✿✿✿✿✿
ليس المراد من نقل القصتين التسوية بين الطاعة و المعصية, و العياذ بالله, إنما في كلتا الحادثتين رأيت كثيرا من الصبر من الطرفين (و الله أعلم بذات الصدور) و تأكدت مرة أخرى أن الدين و الخلق لؤلؤتان مضيئتان أبدا لا تتجزءان...

الدين أفضل ما نبغيه والخلق            هما لنا في حياة العمر منطلق
نبني لنا بهما دنيا واَخرة                 على أساس مكينٍ ليس ينخرق
(أبيات للشاعر محمد بن عبد الله آل ملحم)


وصل القطار.. فنزل ركاب و صعد آخرون.. توكلت على الله و مضيت في رحلتي..

 

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

لبيك اللهم لبيك



الله أكبر

دوت في أرجاء الحرم المكي فاهتز لها قلبي أيما اهتزاز، كان أعظم أذان سمعته في حياتي، وقعت كل كلمة منه في صميمي. صوت التوحيد دوى كالرعد، مذكرا أن لا إله إلا الله الواحد الأحد. وحانت مني التفاتة فرأيت طفلة هندية انفجرت باكية، قد أفزعها صوت الأذان إذ انبعث عاليا دون استئذان. وعبثا حاول والداها تهدئتها فلم تزل تبكي وترتعد. كان مشهدا لطيفا ومؤثرا في آن واحد، جعلت أنظر لها ولسان حالي يقول : لا تبكي يا صغيرتي فهذا صوت الحق والتوحيد واليوم جمعة، اليوم يوم عيد..

نعم كان يوم عيد بالنسبة لي وكيف لا وقد وضعت فيه الرحال ببيت الله الحرام وقرت عيني برؤية الحرم والناس نيام، ثم سعيت مع الناس منذ الصباح الباكر للقيام بشعائر العمرة وذبت في الزحام، تسارعت الأحداث ومعها دقات قلبي، طواف بالبيت وتحية ثم صلاة وشربة هنيئة. هو ماء زمزم نشرب منه حتى نروى ثم نطوف سبع أشواط بين الصفا والمروة، نسير على خطى أمنا هاجر وألسنتنا لا تفتأ تسبيحا ودعاءا.. يا لها من ذكرى يطير لها الفؤاد شوقا، اللهم تقبل أعمالنا وارزقنا وإخواننا الحج إلى بيتك الحرام.

وَمَا  زَالَ  وَفْدُ   اللَّهِ   يَقْصِدُ   مَكَةً         إِلَى  أَنْ  بَدَا  الْبَيْتُ  الْعَتِيقُ  وَرُكْنَاهُ
فَضَجَّتْ ضُيُوفُ اللَّهِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَا           وَكَبَّرَتِ   الْحُجَّاجُ   حِينَ    رَأَيْنَاهُ
وَقَدْ كَادَتِ  الأَرْوَاحُ  تَزْهَقُ  فَرْحَةً           لِمَا نَحْنُ مِنْ عُظْمِ السُّرُورِ  وَجَدْنَاهُ
تُصَافِحُنَا  الأَمْلاكُ  مَنْ  كَانَ  رَاكِبًا          وَتَعْتَنِقُ     الْمَاشِي     إِذَا     تَتَلَقَّاهُ



الله أكبر

جلست أنا وعمتي في ركن من أركان المسجد الواسع الشاسع وتعالى صوت الإمام السديس بخطبة زكية في عربية جميلة وتعابير غنية. ثم حان وقت الصلاة ..وقد أكرمني ربي بأحسن اللحظات ..

الفاتحة ثم الغاشية .. تلك السورة التي لطالما استمعت لها في تسجيل للشيخ السديس على هاتفي الجوال فأصبحتُ بفضل مغير الأحوال، العزيز القدير المتعال، أستمع لها بعينها على الهواء مباشرة من الحرم المكي وبقراءة الشيخ نفسه، لكن هذه المرة لم يكن صوته منبعثا من السماعات بل كان يأتيني مجلجلا  قويا رائعا مدويا في أركان بيت الله الحرام فيا لها من نعمة عظيمة وعطية كريمة ومنة إلاهية جسيمة، هي لحظة تاريخية كتبها الله لي من غير حول لي ولا قوة، فالحمد لله وحده صدق عبده ونصر جنده وهزم الأحزاب وحده وأقام دينه وحمى بيته ففر الناس إليه على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم، فلا تسمع إلا تكبيرا وتهليلا وتحميدا ودعاءا وابتهالا وبكاءا.. الكل منشغل بربه عن غيره، يدعوه ويرجو عفوه ورضاه ورحمته.. خُيل لي و كأن المشهد أشبه بيوم الحشر فقد هب الناس من كل فج عميق، وجهتهم واحدة إلى البيت العتيق، تنظر لهم فلا تعرف فقيرهم من غنيهم ولا ضعيفهم من قويهم هنا يتساوى الناس وتُلغى الجنسيات والألسنة والأجناس فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى .. ويا لها من عِبرة تنزل لها العَبرة .. تلو الأخرى..

روى البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) 

هذا هو الجهاد بعينه، لا بد من الصبر والجهد والعزم، قد تقطع طريقك سلسلة بشرية، قد يتدافع الناس من حولك فتتصادم المناكب وتشوب نفسك الشوائب ولكن لا تتوقف ولا تتأفف.. فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج .. والعمرة هي تمرين مصغر من الحج ..

عدت إلى بلادي وقلبي يتفطر ألما .. تركت المسجد الحرام ومن قبله مسجد خير الأنام .. كنت في تونس وقلبي يرفرف فوق المدينة لأيام .. اشتقت لك يا رسول الله، طال بي الانتظار يا الله فهل إلى مرد من سبيل ؟ كم أتمنى أن أعود ... وأرجو لإخواني جميعا بالمثل.. اللهم لا تحرمنا يا رحمان.

كم جميل أن أرى الشباب العربي خاصة يهب للحج على صغر سنه وكم حزين أن أرى بني جلدتي قد غزا رؤوسهم الشيب وردوا إلى أرذل العمر وخارت بهم القوى فلم تعد تحملهم أرجلهم ولا يتحملهم من حولهم، قد صعبت عليهم الشقة فلا تسمع إلا أنينا وتذمرا .. يا الله لنعد ترتيب أولوياتنا من جديد ..لنقل : وعجلت إليك ربي لترضى..

فَفِي    رَبْعِهِمْ    لِلَّهِ    بَيْتٌ    مُبَارَكٌ          إِلَيْهِ   قُلُوبُ   الْخَلْقِ   تَهْوِي   وَتَهْوَاهُ
يَطُوفُ   بِهِ    الْجَانِي    فَيُغْفَرُ    ذَنْبُهُ         وَيَسْقُطُ    عَنْهُ     جُرْمُهُ     وَخَطَايَاهُ
فَكَمْ    لَذَّةٍ    كَمْ    فَرْحَةٍ    لِطَوَافِهِ               فَلِلَّهِ   مَا   أَحْلَى   الطَّوَافَ    وَأَهْنَاهُ
نَطُوفُ  كَأَنَّا   فِي   الْجِنَانِ   نَطُوفَُهَا             وَلا   هَمَّ   لا    غَمَّ    فَذَاكَ    نَفَيْنَاه
فَوَاشَوْقَنَا    نَحْوَ    الطَّوَافِ    وَطِيبِهِ           فَذَلِكَ    شَوْقٌ    لا     يُعَبَّرُ     مَعْنَاهُ
فَمَنْ  لَمْ  يَذُقْهُ   لَمْ   يَذُقْ   قَطُّ   لَذَّةً                فَذُقْهُ  تَذُقْ  يَا  صَاحِ  مَا  قَدَ   أُذِقْنَاهُ
فَوَاللَّهِ   مَا   نَنْسَى   الْحِمَى   فَقُُلُوبُنَا             هُنَاكَ   تَرَكْنَاهَا   فَيَا   كَيْفَ    نَنْسَاهُ
تُرَى   رَجْعَةً   هَلْ    عَوْدَةٌ    لِطَوَافِنَا          وَذَاكَ   الْحِمَى   قَبْلَ   الْمَنِيَّةِ   نَغْشَاهُ




ملاحظات  : هذه الصور أصلية
 القصيدة لابن الأمير الصنعاني

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

شرف المؤمن



إلتقينا في حفل زفاف إحدى الأخوات, كانت زميلتي خلال سنوات الدّراسة و صديقة مقرّبة إليّ, بيد أن الإتّصال قلّ بيننا بعد زواجها و انتقالها إلى حيّ آخر .
 
تحدّثنا عن العمل و  الدّراسة و الإمتحانات , حتّى مللنا. فقالت لي : لندع الأمور الدّنيويّة جانبا ... هيّا أخبريني كيف تقضّين يومك ؟ 

كانت هي لا تزال تعمل, بينما أنهيت دراستي . كنت حينها ملازمة البيت, أستعدّ لإجراء مناظرة آخر السّنة ... 

 
أجبتها بعفويّة : أدرس معظم الوقت, و أتابع آخر الأخبار عبر النّت و التّلفاز ... و أحيانا أقرأ بعض الكتب ..
! ـ أنا أسألك عمّا تفعلينه من طاعات و نوافل
.
أحرجني السّؤال بعض الشّيء, فلم أكن أفعل الكثير
ـ أصلّي بعض النّوافل , أقرأ ما تيسّر من القرآن الكريم ... و أحيانا أستمع إلى درس مفيد ...

 توقّعت منها أن توبّخني, فقد كنت أعلم مدى حرصها على الصّيام و حفظ القرآن و العمل الدّعوي ... أحسست بصغري أمامها و أنا أسرد عليها ما أفعله, و حزّ في نفسي كيف أنّني خجلت منها و لم أخجل من اللّه السّميع الرّقيب! لم أنتظر ردّها فسألتها : و أنت ؟ حدّثيني عنك ؟

ـ أنا لست راضية عن نفسي
 ـ لِم ؟
ـ لم أعد مواظبة على قيام اللّيل
كان صوتها مرتعدا, و اغرورقت عيناها بالدّموع . بدا لي أنها تبالغ في تحسّرها فحاولت مواساتها
 ـ لا تقسي على نفسك , فأنت تعملين و تدرسين, لديك واجبات تجاه بيتك و زوجك, بالإضافة إلى حملك . ثم إنّك ، ما شاء اللّه، تحفظين القرآن, تصومين كلّ أسبوع, تلتزمين بحجابك الشّرعي رغم كل المضايقات و تقرئين الكتب المفيدة  ... أنا فعلا أغبطك!
ـ لا تبرّري تقصيري أرجوك ... أشعر بالألم حين أتذكّر كم كانت همّتي عالية و كيف صار حالي الآن ... كان زوجي يعود من العمل منهكا فينام بعمق , أوقظه فيغفو من جديد
 ...
إبتسمت و كأنّها تتخيّله أمامها ثم استرسلت في الكلام : يشفقني حاله, لكنّي كنت أتذكّر حديث الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى , وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ , فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ , رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ , وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى , فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ" ) ) فأهمس في أذنه هذه الآية : {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات:18,17]
  فيهبّ مسرعا للوضوء و الصّلاة.
 
هزّتني كلماتها, اقشعرّ بدني و احمرّ وجهي خجلا من نفسي . لِمَ لَمْ أفكر يوما في المواظبة على قيام اللّيل؟ لِم كان ذلك حكرا على العشر الأواخر من شهر رمضان ؟  ليس لديّ ما يشغلني سوى ... التّفاهات ! لِم كنت أعتبر ذلك من "الكماليّات" ؟ هل أنا في غنى عن ذلك ؟
 
 
صلاة الليل , تلك  السّنّة المؤكّدة التي غفل عنها الكثير , دأب الصالحين و ملاذ المهمومين .

قال عليه الصّلاة والسلام: {عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِين قَبْلَكُمْ, وَقُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى, وَمَكفَرَة للسَّيِّئات, وَمنْهَاة عَن الإِثْم, وَمَطْرَدة للدَّاء عَن الجَسَد } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني 

كم أمضيت من ساعات أمام الحاسوب أشكو لصديقتي بعض المشاكل الدنيوية , بدل الخلوة باللّه و مناجاته.
  
قال عليه الصّلاة والسلام : { أتَانِي جِبريل فَقال: يا محمّد, عِش ما شئت فإّنَكَ ميّت, وأحبب من شئت فإنّك مفارقه, واعمل ما شئت فإّنك مجزى به, واعلم أن شرف المؤمن قيامه باللّيل, وعزّه استغناؤه عن النّاس } [رواه الحاكم والبيهقي وحسّنه المنذري والألباني].

 
كيف نسيت أن أفضفض إليه سبحانه كل ما يخالجني  و هو اللّطيف الخبير الذي يسمع أنين المذنبين و دعاء المشتاقين و يرى الأكفّ المرتفعة إليه بالضراعة في جوف اللّيل  الحالك ؟
 
عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم قال : { يَتَنزَّل اللّهُ كلّ لَيْلَة إلَى سَماء الدُّنْيا حِين يَبْقى ثُلُث اللَّيل الآخر فَيَقُول : مَنْ يَدْعُوني فَأَسْتَجِيب لَه ومَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيه وَمَن يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِر لَه
 
كيف فرّطت طيلة هذا الوقت في مثل هذا الثّواب العظيم ؟ و لم ألبّي نداء الرّحمان الرّحيم ؟

 
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم : { في الجّنّة غرفة يرى ظاهرها من بَاطِنها, وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لِمَن أطاب الكلام, وأطْعَم الطَّعَام, وَبَاتَ قَائماً والنَّاس نِيَام } [رواه الطّبراني والحاكم وصحّحه الألباني].
  
أكان من الصّعب أن أواظب على الصّلاة و لو لربع ساعة قبل الفجر, أتلو فيها و لو عشر آيات فأكون من المصطفين الّذين وقاهم اللّه سبحانه و تعالى من مصيبة الغفلة ؟ 

قال صلّى اللّه عليه و سلّم : { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين, ومن قام بمائة آية كتب من القانتين, ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } [رواه أبو داود وصححه الألباني].
  
نسأل اللّه أن نكون منهم و أن يجعلنا ممّن قال فيهم جلّ جلاله
:
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر9 


قلت لليل : كم بصدرك سر أنبئني ما أروع الأسرار ؟

قال : ما ضاء في ظلامي سر كدموع المنيب في الأسحار
(عبد الوهاب عزام)