الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

لبيك اللهم لبيك



الله أكبر

دوت في أرجاء الحرم المكي فاهتز لها قلبي أيما اهتزاز، كان أعظم أذان سمعته في حياتي، وقعت كل كلمة منه في صميمي. صوت التوحيد دوى كالرعد، مذكرا أن لا إله إلا الله الواحد الأحد. وحانت مني التفاتة فرأيت طفلة هندية انفجرت باكية، قد أفزعها صوت الأذان إذ انبعث عاليا دون استئذان. وعبثا حاول والداها تهدئتها فلم تزل تبكي وترتعد. كان مشهدا لطيفا ومؤثرا في آن واحد، جعلت أنظر لها ولسان حالي يقول : لا تبكي يا صغيرتي فهذا صوت الحق والتوحيد واليوم جمعة، اليوم يوم عيد..

نعم كان يوم عيد بالنسبة لي وكيف لا وقد وضعت فيه الرحال ببيت الله الحرام وقرت عيني برؤية الحرم والناس نيام، ثم سعيت مع الناس منذ الصباح الباكر للقيام بشعائر العمرة وذبت في الزحام، تسارعت الأحداث ومعها دقات قلبي، طواف بالبيت وتحية ثم صلاة وشربة هنيئة. هو ماء زمزم نشرب منه حتى نروى ثم نطوف سبع أشواط بين الصفا والمروة، نسير على خطى أمنا هاجر وألسنتنا لا تفتأ تسبيحا ودعاءا.. يا لها من ذكرى يطير لها الفؤاد شوقا، اللهم تقبل أعمالنا وارزقنا وإخواننا الحج إلى بيتك الحرام.

وَمَا  زَالَ  وَفْدُ   اللَّهِ   يَقْصِدُ   مَكَةً         إِلَى  أَنْ  بَدَا  الْبَيْتُ  الْعَتِيقُ  وَرُكْنَاهُ
فَضَجَّتْ ضُيُوفُ اللَّهِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَا           وَكَبَّرَتِ   الْحُجَّاجُ   حِينَ    رَأَيْنَاهُ
وَقَدْ كَادَتِ  الأَرْوَاحُ  تَزْهَقُ  فَرْحَةً           لِمَا نَحْنُ مِنْ عُظْمِ السُّرُورِ  وَجَدْنَاهُ
تُصَافِحُنَا  الأَمْلاكُ  مَنْ  كَانَ  رَاكِبًا          وَتَعْتَنِقُ     الْمَاشِي     إِذَا     تَتَلَقَّاهُ



الله أكبر

جلست أنا وعمتي في ركن من أركان المسجد الواسع الشاسع وتعالى صوت الإمام السديس بخطبة زكية في عربية جميلة وتعابير غنية. ثم حان وقت الصلاة ..وقد أكرمني ربي بأحسن اللحظات ..

الفاتحة ثم الغاشية .. تلك السورة التي لطالما استمعت لها في تسجيل للشيخ السديس على هاتفي الجوال فأصبحتُ بفضل مغير الأحوال، العزيز القدير المتعال، أستمع لها بعينها على الهواء مباشرة من الحرم المكي وبقراءة الشيخ نفسه، لكن هذه المرة لم يكن صوته منبعثا من السماعات بل كان يأتيني مجلجلا  قويا رائعا مدويا في أركان بيت الله الحرام فيا لها من نعمة عظيمة وعطية كريمة ومنة إلاهية جسيمة، هي لحظة تاريخية كتبها الله لي من غير حول لي ولا قوة، فالحمد لله وحده صدق عبده ونصر جنده وهزم الأحزاب وحده وأقام دينه وحمى بيته ففر الناس إليه على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم، فلا تسمع إلا تكبيرا وتهليلا وتحميدا ودعاءا وابتهالا وبكاءا.. الكل منشغل بربه عن غيره، يدعوه ويرجو عفوه ورضاه ورحمته.. خُيل لي و كأن المشهد أشبه بيوم الحشر فقد هب الناس من كل فج عميق، وجهتهم واحدة إلى البيت العتيق، تنظر لهم فلا تعرف فقيرهم من غنيهم ولا ضعيفهم من قويهم هنا يتساوى الناس وتُلغى الجنسيات والألسنة والأجناس فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى .. ويا لها من عِبرة تنزل لها العَبرة .. تلو الأخرى..

روى البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) 

هذا هو الجهاد بعينه، لا بد من الصبر والجهد والعزم، قد تقطع طريقك سلسلة بشرية، قد يتدافع الناس من حولك فتتصادم المناكب وتشوب نفسك الشوائب ولكن لا تتوقف ولا تتأفف.. فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج .. والعمرة هي تمرين مصغر من الحج ..

عدت إلى بلادي وقلبي يتفطر ألما .. تركت المسجد الحرام ومن قبله مسجد خير الأنام .. كنت في تونس وقلبي يرفرف فوق المدينة لأيام .. اشتقت لك يا رسول الله، طال بي الانتظار يا الله فهل إلى مرد من سبيل ؟ كم أتمنى أن أعود ... وأرجو لإخواني جميعا بالمثل.. اللهم لا تحرمنا يا رحمان.

كم جميل أن أرى الشباب العربي خاصة يهب للحج على صغر سنه وكم حزين أن أرى بني جلدتي قد غزا رؤوسهم الشيب وردوا إلى أرذل العمر وخارت بهم القوى فلم تعد تحملهم أرجلهم ولا يتحملهم من حولهم، قد صعبت عليهم الشقة فلا تسمع إلا أنينا وتذمرا .. يا الله لنعد ترتيب أولوياتنا من جديد ..لنقل : وعجلت إليك ربي لترضى..

فَفِي    رَبْعِهِمْ    لِلَّهِ    بَيْتٌ    مُبَارَكٌ          إِلَيْهِ   قُلُوبُ   الْخَلْقِ   تَهْوِي   وَتَهْوَاهُ
يَطُوفُ   بِهِ    الْجَانِي    فَيُغْفَرُ    ذَنْبُهُ         وَيَسْقُطُ    عَنْهُ     جُرْمُهُ     وَخَطَايَاهُ
فَكَمْ    لَذَّةٍ    كَمْ    فَرْحَةٍ    لِطَوَافِهِ               فَلِلَّهِ   مَا   أَحْلَى   الطَّوَافَ    وَأَهْنَاهُ
نَطُوفُ  كَأَنَّا   فِي   الْجِنَانِ   نَطُوفَُهَا             وَلا   هَمَّ   لا    غَمَّ    فَذَاكَ    نَفَيْنَاه
فَوَاشَوْقَنَا    نَحْوَ    الطَّوَافِ    وَطِيبِهِ           فَذَلِكَ    شَوْقٌ    لا     يُعَبَّرُ     مَعْنَاهُ
فَمَنْ  لَمْ  يَذُقْهُ   لَمْ   يَذُقْ   قَطُّ   لَذَّةً                فَذُقْهُ  تَذُقْ  يَا  صَاحِ  مَا  قَدَ   أُذِقْنَاهُ
فَوَاللَّهِ   مَا   نَنْسَى   الْحِمَى   فَقُُلُوبُنَا             هُنَاكَ   تَرَكْنَاهَا   فَيَا   كَيْفَ    نَنْسَاهُ
تُرَى   رَجْعَةً   هَلْ    عَوْدَةٌ    لِطَوَافِنَا          وَذَاكَ   الْحِمَى   قَبْلَ   الْمَنِيَّةِ   نَغْشَاهُ




ملاحظات  : هذه الصور أصلية
 القصيدة لابن الأمير الصنعاني

0 تعليقات:

إرسال تعليق