الاثنين، 5 سبتمبر 2011

أُثبت أُحُد




يوم مبارك و منير .. لكن في قلبها حزن دفين، فهو آخر أيام الشهر الكريم و كما جرت العادة لم تكن تقوى على فراقه ولم تكن راضية عن نفسها، شعرت بالحزن يتسرب إلى قلبها، بكت في صلاتها، دعت ربها فالوساوس بدأت تقلقها وأحلام اليقظة تداعب مخيلتها... يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أستغفرك ربي وأتوب إليك.

" دع البكاء على الأطلال والدار واذكر لمن بان من خل ومن جار

وذر الدموع نحيباً وابك من أسف على فراق ليال ذات أنوار

على ليال لشهر الصوم ما جُعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار

يا لائمي في البكاء زدني به كلفاً واسمع غريب أحاديث وأخبار

ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري"

انتهت من صلاتها، تناولت المصحف و الصداع لا يفارق رأسها وشرعت في القراءة. حزبان أبدأ بهما اليوم وأحافظ عليهما إن شاء الله غدا وبعد غد وكل يوم... هكذا وعدت نفسها.

أكملت وردها اليومي، سبحان الله وبحمده لقد ذهب الصداع !

تذكرت كتاب "الرحيق المختوم" – أحد أفضل الكتب المتخصصة في السيرة النبوية، و قد قال فيه مؤلفه (فضيلة الشيخ المباركفوري) بعد النجاح الذي لاقاه:" وقد قدر الله لهذا الكتاب من القبول ما لم أكن أرجوه وقت الكتابة، فقد نال المركز الأول في المسابقة، وأقبل عليه الخاصة والعامة إقبالا يغتبط عليه"- اشترته في رمضان ولم يسعفها الوقت لقراءته فآلت على نفسها أن تحيي الذكرى المحمدية  الزكية في شهر شوال. بل ستحيي نفسها وتذكي الإيمان في قلبها بالتعرف مرة أخرى على حياة سيد الأولين و الآخرين، الذي بُعث رحمة للعالمين، محمد ابن عبد الله, صلى الله عليه وسلم.

نعم سأحيا بالسيرة النبوية بعد رمضان ولن أدع لوساوس الشيطان في قلبي أي مكان. سأشغل نفسي بذكر ربي وبسيرة نبيي، سأشغل نفسي بكل ما ينفعني، لن أترك الحزن يتآكلني.. حسبي ربي وكفى !

ثم تذكرت أخواتها المؤمنات فتنهدت تنهيدة ارتياح و حمدت الله أن رزقها الصحبة الصالحة. باعدت بينهن المسافات ولكنهن معا، يجمعهن حب الله و الأعمال الصالحات. معا لن يتهاون في الطاعات بعد رمضان ولن يهزمهن الشيطان وهن متحدات... أبدا هيهات. ستظل هواتفهن ترن في الأسحار و سيُذكرن بعضهن البعض بتفسير آية، بمعنى حديث، بالاستغفار... سيتركن تلك الترهات و يتعاون بالنصح و الإرشاد، سيبلغن إن شاء الله أعلى الدرجات مادامت في قلوبهن تلك النيات الصادقات.

" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا "(الكهف 28)

فكذلك حالهن بإذن الله..تشجع كل منهن أختها على الثبات، كيف لا وهن يطمعن أن يكن من المتقين الذين قال الله فيهم :

" الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ
 يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ"
(الزخرف 67-68)

رمضان ذهب وولى ولكن رب رمضان مازال ولا يزال وليس له زوال...

قيل لِبِشْرِ الحَافِي رحمه الله : إنَّ قَوماً يَتعبَّدون ويجتَهِدُون في رمضان ؟ فقال : بِئْسَ القومُ قومٌ لا يَعرفُونَ للهِ حَقَّاً إلَّا في شَهْرِ رَمَضَان ، إنَّ الصَّالحَ الذي يَتَعَبَّدُ ويَجْتَهِدُ السَّنَة كلَّها .

فلتكن همتك عالية إذا ولتحافظي على الطاعات و الإكثار من الخيرات واجتناب المنكرات عسى ربك أن يدخلك فسيح الجنات أنت و الأخوات .. هكذا لازالت تحدث نفسها.. "أُثبت أُحُد"..


قال البخاري رحمه الله في صحيحه :


حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًاوَأَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ ، فَقَالَ : " اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ ".

0 تعليقات:

إرسال تعليق